نبذة مختصرة عن حرب البسوس
عرف العرب منذ العصر الجاهلي بالكرم والمروءة والشجاعة والإقدام ، لكن كانت العصبية القبلية والشحناء تتملك القلوب ، فكان الثأر عنوان كل قبيلة لاسترداد شرفها ، وكانت تقام حروب واصطدامات لرد شموخ وأنفة قبيلة ما ، الشيء الذي جاء الإسلام وحاربه ووثق أواصر التسامح والإخاء ونبذ العصبية والتنافر .
لكن ما سنعرضه عليكم اليوم هو عجب يحير فيه العجب ولا يستطيع حتى كُتّاب السيناريوهات أن يتصوروه . حرب دامت أربعين سنة عنوانها الثأر والفتنة بل الحقد الدفين ! إنها حرب البسوس .
قصة حرب البسوس
تشير كتب التاريخ إلى أن أطراف هذه الحرب هم بالأصل أبناء عمومة وأصهار ينحدران من قبيلتين عريقتين وهما بكر و تغلب .
سأحاول أن أبسط الأمور حتى نفهم قصة هذه الحرب جيدا .
كان وائل بن ربيعة التغلبي ولقبه كليب
رئيس جيش بكر وتغلب ، وفي رواية أخرى ملكهم ، كان هو الآمر الناهي ، يجول مزهوا بسلطانه وأصله ، وقد كانت تحت حماه مجموعة من القبائل.
ومن مظاهر زهو وتسلط كليب أنه كان إذا جلس لا يمر أحد بين يديه إجلالا له ، ولا تورد إبل أي أحد مع إبله . وكان لكليب زوجة اسمها جليلة ابنة مرة من شيبان الذين ينحدرون من قبيلة بكر ، وكان لمرة عشرة بنين أصغرهم جساس . وكان لجساس خالة اسمها البسوس وهي شرارة هذه الحرب وإن كانت ناقتها هي الأحق بذلك .
مراجعة لأطراف حرب البسوس
قبيلة تغلب : كليب أخو المهلهل .
قبيلة بكر : جساس من بكر وخالته البسوس .
نزلت البسوس
ضيفة عند ابن أختها جساس.
وكانت لها ناقة تدعى سراب تركتها ترعى مع إبل جساس ،
لكن هذه الناقة دخلت في أراضي كليب فلمحها وميّزها فرماها بسهم حتى أدمى ضرعها ، فولّت إلى الفناء حيث تجلس البسوس وجساس فبركت وقد اخلتط اللبن بالدم .
وفي رواية أخرى أن كليبا قد ثارت أعصابه بسبب فخر زوجته بأخويها جساس وهمام ، فخرج غاضبا وصادف أن رأى ناقة البسوس فرماها بسهمه .
بعد أن بركت ناقة البسوس أرضا صاحت هذه الأخيرة واذلاه ! فوعدها جساس بأن يعوضها بناقة أعظم منها ، فأبت أن ترضى فوعدها بعشر نوق فلم ترض بها ،
فوعدها بأن يثأر لناقتها ويقتل كليبا ،
فكمن له حتى انفرد به فقتله برمح ،

فنشبت الحرب بين بكر وتغلب لمدة أربعين سنة .
فوعدها بأن يثأر لناقتها ويقتل كليبا ،
فكمن له حتى انفرد به فقتله برمح ،
وبلغ ذلك أخاه المهلهل فهبّ يطلب ثأر أخيه.
فنشبت الحرب بين بكر وتغلب لمدة أربعين سنة .
أيام حرب البسوس
عرفت حرب البسوس بأيامها المشهورة وهي ستة :
1 – يوم النهي ( ماء كان بنو بكر نازلين عليه ) وكان بين المهلهل من تغلب ، والحارث بن مرة من بكر ، فكانت الغلبة لتغلب .
2 – يوم الذنائب
وفيه انضمت بنو ذهل بن ثعلبة من بكر بن وائل لبني شيبان بن ثعلبة وناصروهم وانضمت لبني شيبان أيضا: بنو تيم اللات بن ثعلبة وبنو قيس بن ثعلبة. وكان هذا اليوم من أعظم أيامهم وفيه انتصرت تغلب على بني شيبان وحلفائهم من بكر بن وائل وقتلت منهم مقتلة عظيمة. وفي هذا اليوم يقول المهلهل عدي بن ربيعة:
أليلتنا بذي حسم أنيري | إذا أنت انقضيت فلا تحوري |
فإن يك بالذنائب طال ليلي | فقد أبكي من الليل القصير |
تسألني بديلة عن أبيها | ولم تعلم بديلة ما ضميري |
فلا نبش المقابر عن كليب | لأخبر بالذنائب أي زير |
وفيها قتل شيبان عمرو ابن ساعده التغليبي
3 – يوم واردات والغلبة كانت لصالح تغلب .
5 – يوم القصيبات وكانت الغلبة لتغلب وفيه قتل همام أخو جساس .
6 – يوم تحلاق اللمم وكانت الغلبة فيه لبكر .
من انتصر في النهاية ؟
عن أي انتصار نتحدث وقد أريقت وديان من الدماء بسبب عصبية عمياء قتلت كل مظاهر الرحمة والتسامح ، لكن للتاريخ فيمكن أن نعتبر أن الغلبة كانت لتغلب بسبب أن الثأر قد تحقق حقا وهو مقتل جساس ، ووقع الصلح أخيرا بين القبيلتين فأسدل الستار على حرب مريرة أتت على الأخضر واليابس لأربعين سنة من الزمان .
حرب لا شك وأنها شكلت حدثا عريضا سُطّر في تاريخ الأدب العربي لما عرفه من وقائع ، و الشعر الجاهلي خاصة لأن الأمر يتعلق بشاعر كبير وهوالمهلهل بن ربيعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق