فلما سمع كليب شعره أحتار من فعله وندم على مجيئه ثم كرر عليه السؤال وطلب منه أن يسير معه خوفا من حدوث أمر من الامور فقال الزير سر أنت أولا وأنا سأتبعك فيما بعد فقال لماذا لاتسير الآن قال لاخفاك لما حضرت الى هذا المكان قتلت جميع السباع ماعدا سبعين أو ثلاثة فمتى قتلتهم أدركتك في الحال الى الاطلال فعند ذلك ركب كليب جواده وسلم أمره للواحد القهار الى أن وصل الى تلك الدار وهو قلق وافتكار هذا ماكان من أمر كليب ويرجع الكلام والسياق الى سعاد الشاعرة الساحرة الماكرة فإنها لما اثارت الفتنه بين القوم وصار لها عند بني مرة ذلك القبول وجميع كلامها عند جساس مقبول أخذت طاسة من الفضه وملأتها من المسك والزباد والعطر وخففت الجميع مع بعضه البعض وعمدت الى ناقتها
وأخذت تطلي أجنابها وتدهنها بذلك الطيب وأمرت بعض العبيد أن يأخذها الى المراعي ويمر بها قرب صيوان جساس في الصباح والمساء وأوصته إذا سأله أحد عنها وعن سبب رائحتها يقول لا أعلم وانما مولاتي تعلم فأخذ الناقه ومر على ذلك المكان فعبقت رائحة الطيب فاستنشق جساس الرائحه وكانت ذكيه جدا
فتعجب وكان قد نظر الى العبد وتلك الناقه فأمر بإحضار العبد وكان يظن تلك الرائحه عابقه منه ولما أحضر وإذا رائحته كريهه جدا فسأله عن تلك الرائحه فقال من الناقه فازداد تعجبا وسأله عن سبب ذلك فقال لست أعلم يا مولاي إنما مولاتي سعاد الشاعرة تعلم ذلك فقال جساس هذا غريب فاستدعى العجوز اليه فحضرت ثم سألها عن قضية الناقه فتنهدت من فؤاد موجوع وقالت لاخفاك أطال الله عمرك وابقاك ان هذه الناقه من سلالة ناقة صالح وفيها خواص غريب يا أبن الاجواد فان بعرها من المسك وعرقها من الزباد فتعجب جساس غاية العجب وقال في نفسه تبارك الله رب العالمين فلا بدلي من أخذ هذه الناقه فافتخر بها على جميع الملوك فقال لها هل تبيعني أياها يا حرة العرب وأنا أعطيك مهما تطلبيمن الفضه والذهب فلما سمعت كلامه بكت ولطمت وجهها وقالت والله هذا الحساب الذي كنت أحسبه فأني ما هاجرت
من بلادي الا لاجل هذه الناقه وكلما نظرها امير أو ملك يطلبها ومادام الامر كذلك فأني سأرحل من عندك ثم بكت من قلب حزين وأنشدت تقول :
تقول سعاد من قلب موجوع سقاني الدهر كاسات الحمام
من بلادي الا لاجل هذه الناقه وكلما نظرها امير أو ملك يطلبها ومادام الامر كذلك فأني سأرحل من عندك ثم بكت من قلب حزين وأنشدت تقول :
تقول سعاد من قلب موجوع سقاني الدهر كاسات الحمام
ضنى مني الفؤاد وغاب نومي عمى بعلي وقد زادت سقامي
انا حرمة لي يد قصيرة ولا لي قيمه بين الانام
وهذه ناقتي قد شتتني عن الاوطان يا ابن الاكرام
فكم من سيد جاء يشتريها فما نالوا بها نيل المرام
وقد جينا لكم والتجينا وقلنا قد حطينا بالسلام
وانت تريد أن تأخذها مني فعاد رجوعنا أشهى المرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق