الأحد، 12 أغسطس 2018

قصه وعبره # الصدق منجاه















قصة وعبرة

الصدق منجاة


اعتاد أربعةُ طلابٍ جامعيين الإهمالَ وعدم الجدية في دراستهم، وكذا التكاسل في الانتظام في حضور المحاضرات، وفي اختبار منتصف الفصل في إحدى المواد، سهِروا ليلتها في اللعب واللهو كعادتهم، وفي الصباح وجدوا أنهم غير مستعدين للاختبار، وعندما تداولوا الأمر فيما بينهم، توقَّعوا أنهم قد لا يَحصلون على درجة مُرضية في هذا الاختبار، في ظل صعوبة تلك المادة، وجدية أستاذها، فأشار عليهم أحدهم بأن يرسلوا رسالة (واتساب) على جوَّال أستاذهم يعتذرون فيها بحدوث انفجار إطارين من إطارات سيارتهم أثناء ذَهابهم إلى الجامعة، ونظرًا لكون هذا الاختبار ليس اختبار نهاية العام، فإن أستاذ المادة - بلا شك - سيَقبل اعتذارهم، ويعيد لهم الاختبار بعد أن يَستعدوا له جيدًا على حد زعمهم، وأيضًا يتعرفون على طريقة الأستاذ في وضع الأسئلة، فاستحسَنوا فكرة الاعتذار، وقام أحدهم بإرسال رسالة اعتذار ضمَّنها أسماء زملائه الأربعة، وبعد عدة دقائق تأكدوا من قراءة الأستاذ الرسالةَ، ثم ردَّ عليها بكلمة: (سلامات)، ففرِحوا بنجاح خُطتهم، ثم أكملوا لَهوهم ومرَحهم في ذلك اليوم، وفي اليوم التالي قابلوا أستاذ المادة، فحدَّد لهم موعدًا آخر للاختبار، وعند حضورهم في الموعد المحدد لاختبار الإعادة، ولعِلم الأستاذ بعدم جديتهم في الدراسة، ولشَكِّه في مصداقية عذرهم؛ فقد أجلسهم في أماكنَ متباعدة بالقاعة، وقدَّم لهم ورقة الاختبار التي تضمَّنت الأسئلة التالية:
س1: أي إطارين من إطارات السيارة الأربعة انفجَرَا؟
س2: كم كانت الساعة وقت وقوع انفجار إطارَي السيارة؟
س3: مَن منكم كان يقود السيارة في ذلك الوقت؟
س4: ما ترتيب جلوسكم في مقاعد السيارة؟
س5: هل تتوقع أن يُجيب زملاؤك بنفس إجابتك تمامًا؟

وهنا سُقِط في أيديهم، وتأكد لهم أنهم كانوا واهمين في خداع أستاذهم، ونظر بعضهم إلى بعض، وكأن لسان حالهم يقول: لقد حان الوقت للاعتراف، ثم قالوا بلسانٍ واحد: يا أستاذ، لقد كنا غير صادقين في اعتذارنا منك في ذلك اليوم، وأنت الآن في حِل في القرار الذي تتخذه بحقنا، ثم انصرَفوا من القاعة؛ لأن حالتهم النفسية كانت منهارة إلى أقصى درجة!

فالصدق منجاة، والكذب مهواة، ولا أدل على ذلك من قصة الصحابيِّ الجليل كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم، حينما تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، جاء إليه كعب بن مالك رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، إني والله لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيتُ أني سأخرج مِن سخطه بعذرٍ؛ فلقد أُعطيتُ جدلًا، ولكني والله لقد علمتُ لئن حدَّثتُك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عني، ليُوشكنَّ الله أن يُسخطك عليَّ، ولئنْ حدَّثتُك حديث صدقٍ تَجِدُ عليَّ فيه، إني لأَرجو فيه عفوَ الله، لا واللهِ ما كان لي عذرٌ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلَّفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمَّا هذا، فقد صدَق، فقُمْ حتى يقضي الله فيك))، ثم يقول كعب بن مالك: وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فهجَرَنا الناسُ، حتى كمَلتْ لنا خمسون ليلةً، يقول: فلما صليتُ الفجر صُبحَ خمسين ليلةً، وأنا على ظهر بيتٍ مِن بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله؛ قد ضاقَت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحُبتْ - سمِعت صوت صارخ: يا كعب بن مالك، أبشِرْ! قال: فخررتُ ساجدًا، وعرَفت أنْ قد جاء فرج، وأذِن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يُبشروننا، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا يُهنِّئونني بالتوبة، قال: فلما سلَّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه السلام - وهو يَبرُق من وجهه السرور -: ((أبشِر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولَدتك أُمُّك))، قال: قلت: أمِن عند الله يا رسول الله، أم مِن عندك؟ قال: ((بل من عند الله))؛ (البخاري، 4418).

فهنا جاءت توبة الله على كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم؛ بسبب صدقهم مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ونتيجة تأكُّدهم أن الصدق هو طريق النجاة، وأن الله سبحانه لا تَخفى عليه خافية.

فخُلُقُ الصدق من أعظم الأخلاق منزلةً في الإسلام، وكيف لا يكون كذلك ومنزلة الصادقين تأتي بعد منزلة النبيِّين، الذين هم أفضل البشر على الإطلاق؟!

يؤكد ذلك قولُ الحق سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، وقد أمرنا الله سبحانه بالصدق؛ كما جاء في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، فالتزام الشخص بالصدق هو سبب للهداية والثبات على الحق، وقد جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الصدق برٌّ، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن العبد ليتحرَّى الصدق، حتى يُكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب فجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن العبد ليتحرَّى الكذب، حتى يكتب كذابًا))، (2607).

ويقول ابن القيم: الإيمان أساسُه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذبٌ وإيمان، إلا وأحدهما محارب للآخر؛ (مدارس السالكين، ج2، 221)، ويقول أيضًا: "حمل الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يُطيقه إلا أصحابُ العزائم، فهم يتقلَّبون تحته تقلُّب الحامل بحمله الثقيل، والرياء والكذب خفيفٌ كالريشة، لا يجد له صاحبه ثقلًا ألبتة، فهو حامل له في أي موضع اتفق، بلا تعبٍ ولا مَشقة ولا كُلفة، فهو لا يتقلب تحت حمله، ولا يَجِد ثقله"؛ (226).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الزير انشد شعر من ضمائره

الزير انشد شعر من ضمائره........... العز بالسيف ليس العز بالمالي شيبون ارسل لانهار الحرب يطلبني.... يريد حربي وقتلي دون ابطالي نصحته عن قتال...

بحث هذه المدونة الإلكترونية